الأربعاء، 1 مايو 2013

* الأصول الثقافية للمعرفة البشرية


تأليف: ميشيل توماسيللو 

هدف الكتاب منذ البداية واحد محدد: الكشف عن الجذور الثقافية للمعرفة البشرية تمييزاً لها عن المعرفة عند الرئيسات الأخرى. وتعددت في سبيل ذلك مناهله ومراميه ومجالات تأثيره وأصدائه. ووصولاً إلى هدفه، عمد المؤلف إلى تقديم: تفسير تطوري دينامي للمعرفة البشرية في ضوء أبعادها التطورية التاريخية للنوع والتطورية الفردية. الجمع بين النظرة التطورية وعلم النفس الثقافي. بيان أن جذور القدرة البشرية على توفر ثقافة الرمز والنمو النفسي الذي يجري في إطارها المتطور كامنة ضمن عنقود أو مركب من قدرات معرفية ينفرد بها البشر وتظهر بوادرها في باكر الطفولة. ويمثل الكتاب إسهاماً جليل الشأن في ضوء الحوارات والصراعات الفكرية النظرية العلمية والعملية المعاصرة بشأن قضايا محورية جامعة ومثارة بإلحاح الآن: الرمز، اللغة، العقل، الذكاء الطبيعي، الذكاء الاصطناعي، الفهم، المعرفة، المعنى وشروطه، التراكم المعرفي وأسباب ومظاهر ونتائج أطراده، الثقافة والتكوين التاريخي الاجتماعي لها، التمييز بين المعرفة البشرية والمعرفة عند الرئيسات الأخرى. لذلك نراه في بحثه ومنهجه وحصاده دراسة علمية متعددة الأبعاد، ويهيئ لنا مداداً علمياً وتجريبياً للنظر في العديد من المشكلات التي تؤرقنا، ويضع أيدينا على رؤى وحلول مبتكرة ليست نهائية حقاً ولكنها نهج جدير بالتأمل والمتابعة، فضلاً عن أنه يتجه بأفكارنا وجهة جديدة تحفزنا إلى المزيد من البحث. ويدرك المؤلف أن بحوثه سباحة ضد تيارات عديدة سابقة عليه لها رواجها. ولكنه يدرك أيضاً أنه امتداد لمدرسة علمية متطورة بدأت تكتسب زخماً جديداً في المرحلة الأخيرة وهي المدرسة التطورية. ويبدو الكتاب ساحة لحوار علمي خصب بروح علمية ملتزمة المنهج العلمي تأييداً أو معارضة. كما ويعمل المؤلف على تطوير وتعديل نظريات بياجيه. ويعارض نظريات تتحدث عن مكونات معرفية فطرية أساسية أو معيارية لدى البشر. وأشهر أصحاب هذه النظريات من المعاصرين ناعون شومسكي. ويرى توماسيللو أن شومسكي وأترابه يعبرون بنظريتهم هذه عن قصور في تقدير نتائج العمليات التاريخية الثقافية البشرية، أو نقل التفاعل الاجتماعي داخل وفيما بين الأجيال والتعديلات المطردة على مدى الزمان التاريخي وانتخاب نمط جديد أيسر وأصلح. ويرى توماسيللو أن كل هذا يتم على أساس مهارات معرفية كلية مشتركة. ويرفض توماسيللو، بنص كلامه، أنواع الحتمية الجينية السطحية، أو الساذجة التي تغشى مجالات واسعة من العلوم الاجتماعية والسلوكية والمعرفية. ويؤكد توماسيللو في هذا الصدد ما ذهب إليه الفيلسوف فيتجنشتين وعالم علم النفس الثقافي فيجوتسكي من أننا كبشر كبار ناضجين إذا نبحث ونتأمل الوجود البشري لا نستطيع أن ننزع عن عيوننا نظاراتنا الثقافية ونرى العالم متجرداً من الثقافة، أي عالماً غير مصبوغ بثقافتنا، وذلك حتى يتسنى لنا مقارنته بالعالم كما ندركه ثقافياً. ويخلص الكتاب إلى نتيجة تفيد أن الكائنات الحية ترث بيئاتها بقدر ما ترث الجينوم الخاص بنوعها. وتولد مهيأة للحياة في هذه البيئة. كذلك البشر مهيؤون للعمل في بيئة اجتماعية من نوع خاص، هي بيئة ثقافية متطورة تاريخياً بفضل عمليات التكيف الاجتماعي أو الثقافي المطردة، أو هي الموطن الملائم أو لنا أن نقول هي الثقافة الملائمة للنمو واطراد البقاء والمنافسة. ويولد البشر ولديهم قدرة موروثة بيولوجياً تمكنهم من الحياة حياة ثقافية ملتزمة بالثقافة. وهذه القدرة هي فهم أفراد النوع كعناصر فاعلة قصدية/ذهنية، مثلها مثل الذات، وهي أساس حياة المعاشرة الاجتماعية والتكافل والتفاعل بقدر أكبر من المرونة والكفاءة. وتمثل أساس حياة الاجتماع الذي أدى إلى ظهور شكل الوراثة الثقافية البشرية كعملية مطردة متطورة، ومن ثم تجميع وتراكم الموارد المعرفية تاريخياً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق